مقدمة
إذا كنت تسافر في الدول الغربية، فقد تجد أن الرقم 13 مفقود في العديد من الأماكن. فمثلاً، قد لا تجد غرفة 13 في الفندق الذي تنزل فيه، أو بوابة 13 في المطار الذي تسافر منه، أو الطابق 13 في المبنى الذي تزوره. هل تعتقد أن هذا مجرد صدفة؟ لا، هناك سبب وراء ذلك.
السبب هو أن الكثير من الناس يخافون من الرقم 13، ويعتبرونه رقماً سيئ الحظ ومنحوساً. هذا الخوف يسمى Triskaidekaphobia، وهو بالتأكيد أشهر أنواع رهاب الأرقام. وقد ارتبط هذا الرهلب بيوم من أيام الأسبوع، وهو يوم الجمعة. ليُصبح يوم الجمعة 13 من أي شهر يوم نحس وخوف في نظر المصدقين لهذه الأمور.
هذا الرهاب له تاريخ طويل ومعقد، ويتعلق ببعض الأساطير والتقاليد الدينية والثقافية. بسبب هذا الرهاب، قامت بعض الشركات والمنظمات والدول بتجنب استخدام الرقم 13 في مختلف الأشياء، مثل المباني والمقاعد والأحداث. وهكذا، أصبح الرقم 13 نادراً في الحياة اليومية. فما قصة هذا الرهاب؟
الأصول التاريخية
الخرافات المحيطة بالعدد 13 والتشاؤم الذي يرتبط بيوم الجمعة الثالث عشر له جذور تمتد إلى العصور الغابرة، وليس فقط إلى الفترات التاريخية القديمة، بل إلى ما هو أبعد.
تبدأ الرواية مع حامورابي وقوانينه المعروفة، التي تم وضعها في عام 1780 قبل الميلاد وتُعد أقدم القوانين الموثقة. لكن شهرتها لا تنبع فقط من محتواها، بل أيضًا من الغموض الذي يحيط بالعدد 13. يُزعم أن الإيمان بنحس العدد 13 نشأ من هذه القوانين، حيث تم تجاوز القانون رقم 13 عمدًا واستبداله بالرقم 14. هذا الإجراء لقي قبولًا واسعًا بين المؤمنين بهذه الفكرة، لكن الحقيقة تنفي هذا الاعتقاد. فالباحثون الذين درسوا وترجموا هذه القوانين أكدوا أن النصوص الأصلية لم تكن تحمل ترقيمًا على الإطلاق. فمن أين جاءت هذه الفكرة إذًا؟ يبدو أن أحد الترجمات الأولى للقوانين هي المسؤولة. في عام 1910، قام LW King بترجمة القوانين، وتبعه ريتشارد هوكر بتعديلاته. هذه الترجمة أغفلت بالخطأ إحدى القوانين، التي كانت تحمل الرقم 13 في الترقيم الحديث. وفي الترجمة التي أعدها روبرت هاركر، تم ذكر هذه القانون، الذي يتعلق بقوانين التجارة.
في روما القديمة، كان يُعتقد أن الساحرات يجتمعن في دوائر السحر الأسود، وكل دائرة تتألف من 12 ساحرة. لكن العدد لم يكن مقتصرًا على 12 فقط، بل كان هناك 13، والعضو الثالث عشر كان يُعتقد أنه الشيطان نفسه.
السريان، الذين يُعتبرون من المسيحيين القدماء، لديهم أيضًا قصتهم مع العدد 13. كانوا يعتقدون في قوة الأرقام، وكان يوم الأحد يوم راحة للعبادة، حيث يُحظر العمل فيه، ومن يخالف ذلك يُعتقد أن الشؤم سيحل عليه. وبحسب السريان، مجموع حروف كلمة 'الأحد' يساوي العدد 13.
كما لفرسان الهيكل، المجموعة الغامضة، قصتهم مع العدد 13. ففي يوم الجمعة الثالث عشر من أكتوبر عام 1307، أصدر الملك الفرنسي فيليب الرابع أمرًا بالقبض على فرسان الهيكل، ومن ثم تعذيبهم وإعدامهم.
هذه بعض الأحداث التاريخية التي أسهمت في خلق التشاؤم المرتبط بالعدد 13. لكن ماذا عن الأحداث الأحدث؟ هل هناك ما يعزز هذا التشاؤم العتيق؟
بالفعل، هناك أحداث وقعت بالصدفة في اليوم الثالث عشر من الشهر، مثل بناء جدار برلين في الثالث عشر من أغسطس عام 1961.
ومن الأحداث المعروفة أيضًا، الرحلة الفضائية أبولو 13 التي كان من المقرر أن تهبط على القمر، ولكنها تعرضت لحادث غريب. في الثالث عشر من أبريل عام 1970، وقع انفجار أدى إلى عودة المركبة إلى الأرض.
وفقًا لموقع جامعة أوهايو، فإن مراهقًا بريطانيًا في الثالثة عشر من عمره تعرض لصاعقة برق في يوم الجمعة الثالث عشر، وفي تمام الساعة 13:13، وهو أمر غريب للغاية.
وفي الثالث عشر من أكتوبر عام 1972، وقعت كارثة طيران مشهورة عندما تحطمت طائرة تابعة لسلاح الجو الأوروغواياني في جبال الأنديز، وهي الحادثة المعروفة باسم كارثة طائرة الأنديز.
حتى الكوارث الطبيعية لم تسلم من الارتباط بالعدد 13، حيث وقعت العديد من الأعاصير والفيضانات في اليوم الثالث عشر من الشهر، مثل إعصار تشارلي الذي ضرب جنوب فلوريدا في الفترة ما بين 9 و 15 أغسطس من عام 2004، وكان وجود العدد 13 ضمن الأيام التي وقع فيها الإعصار دليلاً للمتشائمين بشر هذا الرقم.
الرأي العلمي في هذا الرهاب
الرقم 13 هو رقم يثير الجدل والخوف في كثير من الناس، لأنه يرتبط ببعض الأحداث التاريخية السيئة والمعتقدات الشعبية السلبية. لكن ماذا يقول العلم عن هذا الرقم؟
العلماء طبعاً ينكرون أن يكون هناك أي دليل علمي على أن الرقم 13 له تأثير سحري أو خارق على الحياة البشرية. ولكنهم يعترفون بأن هناك حالة نفسية تسمى Triskaidekaphobia تجعل الشخص يخاف من هذا الرقم ويتجنب كل ما يتعلق به. وهناك اسم آخر للخوف من يوم الجمعة 13 وهو Paraskevidekatriaphobia.
هذه الحالة النفسية تؤثر على ملايين الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لإحصاءات الطب النفسي. المصابون بهذه الحالة يمتنعون عن القيام بأي عمل أو نشاط في اليوم 13 من أي شهر. كما يحاولون تجنب الرقم 13 في أي مكان، مثل غرف الفنادق أو الطوابق في المباني أو غيرها. وفي بعض الحالات الشديدة، يقفل المصاب نفسه في منزله أو حتى في سريره حتى ينتهي اليوم 13. وإذا كان اليوم 13 هو يوم جمعة، فإن الخوف يزداد أكثر. العلماء يقولون إن الرقم 13 ليس له أي قوة خاصة أو سلبية بحد ذاته. ولكن الرهاب منه موجود ويحتاج إلى علاج.
البروفيسور ستيورت فيس، عالم نفس في ناشيونال جوغرافيك، يقول إن هذا الخوف ينتقل من جيل إلى جيل. فالشخص الذي يتعلم من طفولته أن الرقم 13 هو رقم مشؤوم، سيظل يشعر بالقلق والتوتر منه طوال حياته. وسينقل هذا الخوف إلى أبنائه وأحفاده. وهذا ما يؤيده البروفيسور فيليبس ستيفن جونيور، عالم إنسانيات في جامعة بوفالو في نيويورك. ويضيف أن هذا الخوف انتشر في الثقافات الغربية، خاصة في أمريكا وأوروبا.
وليس علماء النفس فقط من يحاولون تفسير هذا الخوف، بل أيضاً علماء الرياضيات. البروفيسور توماس فرينسلر، عالم رياضيات في جامعة ديلاوير، يشرح أن الرقم 13 يعاني من مقارنة غير عادلة مع الرقم 12 لأنه يتبعه. فالرقم 12 هو رقم مثالي في الرياضيات، لأنه يمكن قسمته على عدة أرقام صغيرة. أما الرقم 13 فهو رقم غير مثالي ولا يمكن قسمته إلا على نفسه وعلى الواحد. وهذا جعله بدون قيمة ويحمل سمعة سيئة مع مرور الزمن.
في مقالة غريبة نشرتها Los Angeles Times، تحدثت عن نزاع في إحدى الجامعات بسبب هذا الرقم. القصة تبدأ عندما قررت إدارة جامعة بيرس في ووغلاند هييلز في الولايات المتحدة الأمريكية تغيير أرقام الغرف والمباني في الجامعة. وصادف أن الرقم 13 أصبح رقم مبنى علم النفس. وعلى الرغم من أن المنطق يقول إن الأطباء والمدرسين والطلاب في هذا المجال لن يكترثوا بذلك، إلا أن الواقع كان مختلفاً. فالكثير منهم احتجوا واستاءوا من أن يكون مبنى علم النفس يحمل الرقم 13. واين رين، رئيس قسم علم النفس، قال إن الرقم 13 سيُنقص من عدد الطلاب الذين يريدون دراسة علم النفس. والعديد من الأساتذة وافقوه الرأي. ولم يعترفوا بأنهم يخافون من الرقم 13، بل قالوا إنهم يقلقون من ردود فعل المجتمع. وفي الحقيقة، بعض الطلاب رفضوا الذهاب إلى الصفوف، خصوصاً في يوم الجمعة 13.
هذا الخوف لم يكن مجرد مشكلة نفسية، بل كان له أيضاً تأثير اقتصادي كبير. ففي يوم 13، وخاصة إذا كان يوم جمعة، تفقد الاقتصادات ما بين 800 إلى 900 مليون دولار. وذلك لأن الكثير من الناس يتوقفون عن العمل أو التسوق أو الترفيه في هذا اليوم. ولهذا السبب، العديد من الفنادق والمطاعم والمستشفيات وغيرها تحذف الرقم 13 من أنظمتها الترقيمية.
الجانب الإيجابي الوحيد لهذا الرقم، إن وجد، هو ما ذكرته دراسة من المركز الهولندي لإحصاءات التأمين. والتي أشارت إلى أن حوادث السيارات والسرقات والحرائق تقل بشكل هائل في يوم الجمعة 13. والسبب في ذلك هو أن الناس يكونون ملازمين لمنازلهم، وأكثر حذراً وانتباهاً في هذا اليوم.
ليست كل الدول تكره الرقم 13. ففي بعض الدول مثل فرنسا وإيطاليا، يعتبر الرقم 13 رقم حظ وسعادة. وفي ديانة الكوبيروس، وهي حضارة في البرازيل، يعتبر الرقم 13 رقم مقدس.
وفي بعض الدول، هناك أرقام أخرى تحل محل الرقم 13 في النحس. ففي الصين، مثلاً، الرقم 4 هو الرقم المكروه والمُلام، لأن لفظه يشبه لفظ كلمة "الموت" في اللغة الصينية. وهناك رهاب من هذا الرقم يسمى Tetraphobia.
في العالم العربي، لا وجود لهذا الرهاب، وذلك رغم وجود التطير والتشاؤم منذ القدم. فبحسب الدكتور إبراهيم مجدي حسين، استشاري علم النفس في جامعة عين شمس المصرية، فإن الفراعنة كانوا يتشائمون من قتل القطط، والعرب القدماء كانوا ومازالوا يتشائمون من صوت الغراب ورؤية البومة. وكل هذا يعود إلى تأثير المعتقدات والموروثات من جيل إلى آخر.