مقدمة
في عالمنا المعاصر، تتنوع وتتعدد اللغات التي يتحدثها البشر، وتختلف في مستوياتها ومراحلها وخصائصها وأهميتها. ومن بين هذه اللغات، تبرز اللغة العربية بمكانتها وقيمتها وجاذبيتها، فهي لغة تحمل تاريخاً عريقاً وحضارةً رائعةً ورسالةً ساميةً. اللغة العربية هي إحدى أقدم وأغنى وأجمل لغات العالم، فهي لغة القرآن الكريم ولغة الشعر والأدب والعلم والفلسفة.
يتحدث هذه اللغة مئات الملايين من الناس في الوطن العربي وخارجه، وتعتبر لغة رسمية في 22 دولة عضوة في جامعة الدول العربية. تتميز اللغة العربية بخصائص لغوية فريدة، مثل غناها المفرداتي ودقتها القواعدية وجمالها البلاغي وعذوبتها النحوية. اللغة العربية لغة الوحي والهداية والتشريع للمسلمين، وهي لغة حافظت على هويتها وثباتها على مر العصور، كما أنها لغة تحمل تراثاً ثقافياً وعلمياً غنياً ومتنوعاً.
سنذكر ونناقش اليوم ثلاثة أسباب تجعل اللغة العربية من أفضل لغات العالم، إن لم تكن الأفضل.
1. لغة القرآن الكريم
اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهي لغة غنية وجميلة ومعجزة في بيانها. الله تعالى اختارها لينزل بها كتابه العزيز على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وليكون هذا الكتاب معجزة خالدة تدعو الناس إلى الإيمان والهداية. القرآن الكريم أثر بشكل كبير في الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها ونشرها في العالم، وأصبح مرجعاً أساسياً لعلوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب وغيرها. القرآن الكريم يتميز بأسلوبه الرائع وبلاغته العالية وحلاوته الباهرة وإعجازه اللغوي والمعنوي، وهو يحتوي على الحكم والمواعظ والقصص والأحكام والآيات الكونية والتاريخية والعلمية وغيرها من الموضوعات المتنوعة. القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو تنزيل من حكيم حميد.
اللغة العربية والقرآن الكريم لهما علاقة وثيقة وتأثير متبادل، فاللغة العربية هي وسيلة لفهم القرآن وتدبره وتفسيره وتطبيقه، والقرآن الكريم هو مصدر لتعلم اللغة العربية وتحسينها وتزكيتها وتنميتها. لذلك، كان الصحابة والتابعون والسلف الصالح يهتمون باللغة العربية ويحافظون عليها وينشرونها، ويحثون على تعلمها والتمكن منها، ويكرهون تغيير شعائرها وتقليدها. وقد قال الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر: 17]، وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العربية فإنها من دينكم" [رواه ابن عبد البر في الجامع].
2. الجذور والكلمات
اللغة العربية هي لغة غنية ومتنوعة، وتعد من أغنى اللغات في العالم من حيث الجذور اللغوية والاشتقاقات الكلمية. الجذر اللغوي هو الحروف الأصلية التي تشكل الكلمة وتحمل معناها الأساسي، وتعبر عن مفهوم محدد. اللغة العربية تتميز بأنها تستخدم جذوراً ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية وسباعية وثمانية وتساعية وعشرية، ولكن الأكثر شيوعاً هي الجذور الثلاثية والرباعية. على سبيل المثال، الجذر (ك-ت-ب) يعني الكتابة، ويمكن اشتقاق كلمات مثل كتاب، مكتبة، كاتب، مكتوب، كتابة، وغيرها منه.
من خلال الاشتقاق، تستطيع اللغة العربية أن تنتج عدداً هائلاً من الكلمات المشتقة من جذر واحد، بإضافة حروف الزيادة أو تغيير حروف العلة أو تغيير الوزن الصرفي أو تحويل الفعل إلى اسم أو صفة أو حال أو ظرف أو غيرها من الأقسام النحوية. وبهذه الطريقة، تكون اللغة العربية قادرة على التطور والابتكار والتعبير عن كل ما يخطر ببال الإنسان.
وفقاً لبعض الدراسات، فإن عدد الجذور اللغوية في اللغة العربية يتراوح بين 10000 إلى 16000 جذر، وهو رقم كبير مقارنة بلغات أخرى. ويعود ذلك إلى أن اللغة العربية هي لغة قديمة ومحافظة على تراثها اللغوي، وهي لغة القرآن الكريم ولغة الشعر والأدب والعلم والفكر. ويقدر عدد الكلمات المشتقة من الجذور اللغوية بحوالي 12 مليون كلمة، وهو رقم هائل يدل على ثراء اللغة العربية وقدرتها على التواصل مع العالم.
3. معنى عميق بكلمات قليلة
اللغة العربية هي لغة غنية ومتنوعة ومرنة، ولها قدرة على التعبير عن الأفكار والمشاعر والحقائق بطرق مختلفة ومبتكرة. ومن أهم مميزات اللغة العربية هي أنها لغة مشتقة، أي أنها تستخدم الجذور والأوزان والإعراب لتكوين الكلمات والمعاني. وهذا يسمح لللغة العربية بأن تحتوي على كمية كبيرة من المفردات والمصطلحات التي تغطي مختلف المجالات والعلوم والفنون. ولكن في نفس الوقت، تستطيع اللغة العربية أن تستخدم عدداً قليلاً من الكلمات لتعبر عن شيء معين بشكل صريح وواضح وجميل. وهذا يعود إلى قوة اللغة العربية في التوازن بين الإيجاز والبيان، وبين الدقة والجمال.
ومن الأمثلة على هذه الخاصية في اللغة العربية هي سورة الفاتحة، التي تعتبر أهم سورة في القرآن الكريم، وأكثرها تلاوة وحفظاً وفهماً. فهذه السورة التي تتكون من سبع آيات فقط، تحمل في طياتها معاني عظيمة ورسائل قيمة عن الإيمان والعبادة والهداية والرحمة والعدل. وتستخدم هذه السورة 29 كلمة فقط، ولكنها تختارها بعناية ودقة، وترتبها بحكمة وفن، وتنسقها بإعجاز وبلاغة. وهذا يجعلها سورة متكاملة ومتناسقة ومتميزة، وتستحق أن تكون الفاتحة للكتاب العظيم.
ولكن إذا أردنا أن نترجم هذه السورة إلى لغة أخرى، مثل اللغة الإنجليزية، فسنواجه صعوبة في الحفاظ على جميع المعاني والجماليات والإيحاءات التي تحملها اللغة العربية. فقد نضطر إلى استخدام عدد أكبر من الكلمات والتعبيرات والشروحات لنقل المغزى الأصلي، وقد نفقد بعض الدلالات والنغمات والتناسبات التي تميز اللغة العربية. وهذا ما يظهر في بعض الترجمات الإنجليزية لسورة الفاتحة، التي تحتاج إلى حوالي 60 كلمة أو أكثر لتقريب المعنى، ولكنها لا تستطيع أن توفي حقها.
وهذا ليس تقليلاً من قيمة اللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى، فكل لغة لها خصوصيتها ومميزاتها وتحدياتها. ولكن هذا يدل على أن اللغة العربية هي لغة فريدة ومتميزة، وأنها تستحق أن تكون من أفضل لغات العالم، وأنها تحتاج إلى اهتمام وعناية وتطوير من قبل الناطقين بها والمهتمين بها.